على هامش اغتيال خاشقجي.. هكذا استخرجت جواز سفر لزوجتي المحكومة بالإعدام من سفارة مصر باسطنبول

ٍSaadov
7 min readOct 7, 2018

--

وصلت الى اسطنبول عام2013 بعد 4 شهور من الانقلاب العسكري في مصر

كنت اعمل كمنتج برامج في قناة داعمة لهذا الانقلاب ,لم يكن هناك خطر مباشر علي و كان وضعي ممتازا في مصر, لم اكن أيضا من مؤيدي جماعة الاخوان المسلمين وقت حكمهم , لكني لم استسغ أبدا ان أكون ذراعا اعلاميا لنظام جاء على ظهر دبابة , فرحلت

في اسطنبول جاء المزيد من المصريين و العرب المعارضين و بدأنا تأسيس قنوات معارضة مستغلين مناخ “التغاضي من طرف السلطات التركية” عما نفعل و ان كنا نعلم يقينا اننا نعمل في هذة القنوات بشكل غير رسمي و دون حماية رسمية, نبث عبر الانترنت الى دول خارج حدود تركيا و منها الى الاقمار الصناعية , اذا لا مشاكل

لكن المشاكل بدأ سريعا فبعد وصولي الى تركيا بشهر واحد فقط فقدت جواز سفري في زحام اسطنبول!

صحفي مصري معارض يعمل بقناة معارضة غير مرخصة في اسطنبول دون جواز سفر , كان هذا حكم سريع بالمنع من السفر , والحل؟ لابد من التوجه الى القنصلية المصرية في اسطنبول من اجل استخراج جواز جديد

اول ما سيقال لك من العرب و المصريين المقيمين هناك “ الامر خطر .لا تذهب” هذا امر بديهي في تركيا

لم اكن آن ذاك محكوم بأي أحكام سياسية فقررت الذهاب, للأمانة كان التعامل في القنصلية محترما و روتينيا , املأ الاستمارة , اكتب بياناتك , ثم انتظر , ماذا أنتظر؟ التصريح الأمني من مصر باستخراج جواز سفرك , حسنا سـأنتظر , كم انتظرت؟ عامين و شهر بالتمام و الكمال , لم اكن اعلم انني خلال هذة الفترة سألتقي و اتزوج بزوجتي أسماء الخطيب الصحفية بشبكة رصد ,الزواج الذي عقدناه في القنصلية المصرية في اسطنبول بواسطة القنصل نفسه , كان هذا العقد بعد اشهر قليلة من الحكم على أسماء بالاعدام شنقا في قضية تسريبات رصد حيث اتهمها السيسي بالتخابر لصالح دولة قطر “اي مصيبة آن ذاك في كانت تلام عليها دولة قطر دون مبرر .. فهمنا المبرر فيما بعد في حصار قطر “

كنت في يوم زواجي مذيعا في قناة مكملين التي شاركت في تأسيسها والتي تهاجم السيسي ليل نهار , و كان شهودي على عقد الزواج هما أسامة جاويش المذيع الي أذاع تسريب مكتب السيسي ايضا على قناة مكملين قبل اسبوع واحد من زواجي , و حسام الشوربجي مقدم برنامج سيناء على قناة مكملين ايضا و الذي كان الهجوم عليه في اوجه من قبل اعلامي النظام المصري أحمد موسى بسبب الاخبار التي ينقلها حسام من سيناء في بداية الحرب عليها في 2014

اقول كنا نحن الأربعة في القنصلية المصرية , تزوجت و احتفلنا داخل القنصلية وخرجنا بمنتهى الأريحية , كان ذالك في 14 فبراير 2015

من داخل القنصلية المصرية في اسطنبول 14–2–2015

لنذهب بالوقت 3 سنوات بالضبط و تحديدا في 14 فبراير 2018

كنت أعمل كمدير برامج لقناة الشرق الفضاءية “مصرية معارضة ايضا ليبرالية التوجه “ واجلس في مكتبي بقاعة التحرير لأفاجأ بالاستاذ جمال خاشقجي نفسه برفقة رئيس مجلس ادارة القناة دكتور أيمن نور في زيارة لنا

زيارة أ.جمال خاشقحي لقناة الشرق 14–2–2018

كانت الزيارة هي جولة تفقدية للقناة حيث يجمع بين الأستاذ جمال و الدكتور أيمن نور صداقة قديمة و توجه فكري مشترك, كنت متحمسا جدا للزيارة و شرحت للأستاذ جمال آلية العمل في غرفة المحررين فأعجبه العمل , فسألته ممازحا “ يعني في أمل؟”

فأجاب بهدوء و جدية مبتسما : دائما في أمل

خلال هذه السنوات كنت قد طورت علاقات شخصية مع عدد من موظفي القنصلية المصرية في اسطنبول والتي كنت اعلم يقينا “وهم لم يداروا” انهم بشكل ما تابعين للمخابرات العامة المصرية , فخلال هذه الفترة كنت احاول ان البحث عن حل لاستخراج جواز سفر أسماء الذي انتهى بدوره سريعا , ثم استخراج جوازات سفر لإبني الاثنين الذين ولدا في اسطنبول , في هذا المشوار التقيت بالكثير ممن انتهت جوازات سفرهم ايضا بدأ من الشباب الصغير الذي رفضت القنصلية استخراج بدل فاقد لهم لأنهم لم يؤدوا الخدمة العسكرية الإلزامية في مصر , مرورا بأبناء المعارضين المصريين والذين ولدوا في اسطنبول وصولا لمشاهير القنوات المعارضة الذين يكرههم النظام المصري بعمق و هناك قلق من طرفهم “كنت اعتبره غير مبرر” في التواصل من القنصلية

ملخص هذا المشوار الذي أجده اليوم منطقيا بمقتل الأستاذ جمال خاشقجي هو عدد من النصائح التي قدمها لي احد موظفي القنصلية يوم استلامي لجواز سفري في 2015 :

  • القنصليات والسفارات العربية في تركيا تحديدا لا تدار فقط من قبل دبلوماسيين يقدمون تقارير أمنية لأجهزة الاستخبارات , ولكنها تدار بأجهزة داخل أجهزة المخابرات نفسها تكون تابعة لمكاتب الرءاسة بشكل مباشر
  • الرشوة هي طريق جيد لاستخراج بعض الأوراق ولكن جواز السفر شبه مستحيل ان تجد من ترشوه ليستخرجه, الحل الوحيد لاستخراجه هو التلاعب في اسم صاحب الجواز وهو ما فعلته لاستخراج جواز اسماء و ابنائي
  • الجاليات العربية عامة و المصرية و السعودية خاصة مخترقة لدرجة كبيرة من قبل اجهزة الاستخبارات , وهنا نذكر موقف لم يعد سرا , الأمن التركي وجد من ضمن المتقدمين لاستخراج الاقامة الانسانية ”اقامة تشبه اللجوء لمن فقد جواز سفره” وجد أسامي أشخاص من السفارة المصرية نفسها هو يعلم يقينا انهم تابعين للمخابرات , الطريف في الأمر ان من يرسل هذة الأسماء ويرشحهم للأمن التركي لاستخراج الاقامة الانسانية هم المصريين المعارضين أنفسهم بتنسيق بينهم , نفس الأمر حكاه لي معارض سعودي مقيم في تركيا و كيف انه بعد تقدمه للجوء هناك اخبره الاتراك انه قد تقدم بعده للجوء عدد اخر من السعوديين و حذروه من انهم “السعوديين” يراقبونه عن كثب عبر هؤلاء الاشخاص
  • هناك تطور مهم علمته بشكل حدث في بداية 2017 في كل من القنصلية المصرية و السعودية والاماراتية في اسطنبول و بتزامن غريب وهو انه تم تغيير طاقم العمل بهما بالكامل , عرفت بشكل مباشر من موظف سابق في القنصلية المصرية ان المخابرات الحربية استلمت ملف السفارة من المخابرات العامة المغضوب عليها من قِبل السيسي و التي عين مدير مكتبه عباس كامل مديرا لها لاحقا في يناير 2018 , تغيير كامل في السفارة لدرجة انني اثناء استلام جوازات سفر ابنائي في 2018 لم اجد شخصا واحدا اعرفه حتى حارس البوابة
  • نفس الملحوظة أخبرني بها صديقي السعودي العامل بالسياحة عن انه لم يعد يعرف احدا من القادمين الجدد في السفارة , نفس الملحوظة أخبرني بها نجل معارض اماراتي يعمل بالسياحة أيضا و يقوم بتسهيلات للافواج القادمة من الامارات , هذا التغيير حدث خلال ايام فقط في الثلاث سفارات تحديدا في يناير 2017 بينما كان العالم يتحدث عن الرئيس الامريكي الجديد ترامب ولا اعلم ان كان هناك علاقة
  • اجراءات دخول السفارتين ايضا تغيرت بشكل شبه متطابق حسب تجربتي بالمقارنة مع ما حكاه لي صديق سعودي يعمل بالسياحة في تركيا, السفارة (المصرية او السعودية) تقوم بمصادرة جواز سفرك فور الدخول , يقوم موظف في مكتب جانبي بأخذ بيانات الجوازات و البحث عنها على جهاز كمبيوتر فورا , المعاملة العادية التي كانت تستخرج بشكل فوري “مثل اقرار الزواج او الطلاق الذي كان يستخرجه أ.جمال خاشقجي “ اصبح يتطلب أسبوع حيث يُطلب منك العودة الاسبوع القادم بعد التحري الامني “يقال التحري الأمني دون مواربة”
  • السفارات اصبحت مصدرا معلوماتيا اساسيا لتجميع الأسماء التي تنقل لاحقا للانتربول الدولي كمطلوبين, كانت المشكلة سابقا ان أسماء المعارضين للأنظمة غير معروفة كاملة نظرا لأسمائنا العربية الطويلة , و الامر لايستغرق أسابيع من استخراجك لأي معاملة من السفارة حتى تجد اسمك في الانتربول كمطلوب, الامر حدث معي شخصيا حينما حاولت استخراج تأشيرة لفرنسا 3 مرات و تم رفضي رغم ان التأشيرة من اسطنبول سهله , لكنني حينما غادرت اسطنبول نهائيا في مايو الماضي وتقدمت بطلب الحماية واللجوء في دولة كوريا الجنوبية اكتشفت انني وزوجتي بل و ابنائي الصغار مدرجون على قوائم المطلوبين للانتربول من قِبل النظام المصري , و انا لا أذيع سرا حيث انه لاحقا هذا العام حدثت واقعة القبض على الفنان و المذيع المصري المعارض هشام عبدالله الذي اكتشف انه مطلوب للأنتربول ايضا , هشام كان تقريبا المذيع الوحيد الذي تعامل و طالب القنصلية المصرية في اسطنبول باستخراج جواز سفر و اعطاهم اسمه الكامل في جوازه القديم!
  • اعلامي تركي مقرب من دوائر الامن التركية كان هو من نصحني بالابتعاد عن تركيا وذالك قبل اسابيع من اعادة انتخاب الرئيس التركي اردوغان , قال لي في معرض نصيحته ان ذالك حرصا على افراد عائلتي حيث ان “اسطنبول ملعب لأجهزة مخابرات عديدة كلهم يكرهونكم كما يكرهون اردوغان” انا سعيد الان اني عملت بنصيحته
  • اخيرا و بعد خبر مقتل أ.جمال خاشقجي اجد ان هذا اللعب المخابراتي رغم سذاجته الا انه بدأ في اخذ طابع علني عنيف و قاتل , نحن لا نتحدث عن اغتيال او محاولة اغتيال لشخصية عسكرية كما حدث مع العقيد رياض الأسعد مؤسس الجيش السوري الحر والذي يقيم في اسطنبول الان , ولا عن شخصيات امنية او مخابراتية , لكننا نتحدث عن صحفي و اعلامي فقط تم قتله بعمل مقصود تم التخطيط له لمدة أسبوع كامل في داخل سفارة بلده دون رادع او ادنى نوع من الحماية
  • اغتيال خاشقجي بالفعل يفتح الباب على تصفيات جديدة قد تطال المعارضين المصريين و السعوديين و الاماراتيين المقيمين هناك , وذالك في غياب تام , تام بمعنى تام , لأجهزة الأمن التركية التي افترض من تعاملي المباشر معها انها تعلم كل صغيرة و كبيرة و ذات سيطرة محكمة على الداخل و الخارج من تركيا ولاسيما اسطنبول , فلماذا فشلت في حماية خاشقجي , وماذا ستفعل لحماية الصحفيين و الاعلاميين في القنوات المصرية و اليمنية و الليبية و العراقية بل والسعودية والذين يتم تهديدهم بالقتل بشكل صريح داخل تركيا مثل التهديدات التي يتلقاها معتز مطر و محمد ناصر على الملأ في التليفزيون المصري
  • انا لست مع رواد نظريات المؤامرة لكن هناك تزامن في الاحداث يطرح اسألة مثل من قتل خاشقجي فعلا بداخل السفارة ؟ كيف وصل هذا الشخص الى داخل السفارة خلال الاسبوع السابق للعملية ؟ مع الحديث عن عملية تعذيب و تقطيع لجثة المغدور جمال كيف دخلت ادوات التعذيب الى تركيا؟ من غير السعودية يعلم عن هذة العملية التي لم تكن لتحدث بهذة الجرأة دون اضواء خضراء من اجهزة عالمية تحب ان ترى تركيا في مأزق بالاضافة للمال السعودي

اخيرا وهي صيحة استغاثة اكثر من كونها تساؤل , جمال خاشقجي مثله مثل كثير من الصحفيين العرب المهددين , نبذ العنف ولم يحمل في حياته غير قلم او مايكروفون , قُتل غدرا ليفتح الباب أمام الانظمة الاستبدادية لتصفيتنا , من في هذا العالم يمكن ان يحمي الصحفيين؟

--

--

ٍSaadov

Egyptian journalist and TV presenter , now #AsylumSeeker in Seoul south korea